لا
أعرف لماذا مع كل كارثة أمنية تحل بالدولة المصرية لا يجد الإعلام إلا الغمز و
الوشاية بحركة حماس لدى الرأي العام المصري كطرف يقف وراء الأحداث ، لقد كان من ديدن منظومة مبارك الأمنية إعزاء كل إخفاقاتها
إلى خصم تختاره هى بنفسها عبر إلصاق التهمة به ، حدث ذلك عقب تفجيرات القديسين التى
اتهم بها فصيل فلسطيني لم يتأكد نسبة العمل له ، و أما الآن فتدار
اسطوانة حماس المشروخة كلما شعر بالحاجة إلى كبش فداء يلبس
التهمة و أشهرها طبعاً كان ذلك الفيديو الذى صرخت فيه إحدى مناصرات شفيق عقب إعلان
النتيجة : " بعت مصر لحماس يا مشير " !!
لم يشر أحد إذن إلى التقصير الأمني أو الاستخباراتى ، لم
يتحدث محلل من جهابذة جبهة الإنقاذ و من على شاكلتهم عن الإهمال المتعمد لمجتمع
سيناء و الذى كان من ثمراته تحولها لاسيما
الجزء الشمالي إلى بؤرة للنشاط الممنوع و المتحصن القبلية التى فشل أو لم
يحاول أصلاً نظام مبارك ترويضها و تطبيعها
بالطابع الوطني ، فقط هى حماس من يقف وراء قتل الجنود بالأمس و خطف جنود اليوم و
أزمة السولار و فوز مرسى فى الانتخابات و تهريب المساجين يوم جمعة الغضب و أمور عديدة
.
لكن
هل من المعقول أن تقدم حماس على أمر ما من شأنه إحراج أو إرباك الرئيس الذى ينتمي
إلى نفس مدرستها الأيدلوجية و التنظيمية ؟ و ما مصلحتها فى الإضرار بالجيش المصرى
و استفزاز قادته ؟ حماس لمن يجهلها أو
يتجاهلها مثلت على مدى تاريخها التحرك المنضبط و ردود الأفعال المحسوبة الغير
انفعالية ، و كحركة مقاومة قدمت فى سبيل الله ثم القضية رجالاً وقادة
نحسبهم عند الله من الشهداء ، أشهرهم طبعاً المؤسس الشيخ أحمد
ياسين و الدكتور الرنتيسى ، أغلب عملياتها ضد اليهود كانت من الإحكام و الجرأة ما
أثار إعجاب كثير من العسكريين لاسيما عملية أسر جلعاد شاليط ، لمصلحة من إذن يجرى
الآن بعبعتها إعلامياً و
تعبئة الرأي العام المصري ضدها مع كل
كارثة أمنية تقع ؟! بل و لماذا هذا الاستهياف
المتكرر لعقلية الجمهور المتلقي إذا كانت حماس هذه المرة قد سارعت إلى إغلاق
الأنفاق فور إذاعة خبر العملية ؟ و لماذا يستكثر البعض دعم النظام المصري لغزة ولا أقول حماس إذا كان التاريخ
يحمد لعبد الناصر وقوفه مع الثورة الجزائرية و منظمة التحرير ضد فرنسا مما دفع بها
للمشاركة فى عدوان 56 ؟! هل حماس شريك فى لعبة السياسة فى مصر كي
ينالها أو ينال منها كما ينال من الإخوان
أو السلفيين مثلاً ، أم أن هناك من بيننا من أصبح على استعداد لطعن القضية
الفلسطينية فى ظهرها فى مقابل ضرب هذا التيار أو ذاك ؟!
أكرر لقد تمتعت قيادة حماس منذ نشأتها برؤية بعيدة المدى
فاقت نظيراتها من الفصائل الفلسطينية التى سبقتها فى النشأة بعشرين و ثلاثين سنة ،
لم تشهد انشقاقاً يذكر على مدى تاريخها رغم التعدد النوعي فى أجنحتها التنظيمية من
سياسي و دعوى و عسكري و اقتصادي و التوزع الجغرافي ما بين غزة و الضفة و لبنان و
سورية و غيرها ، ناهيك عن التنوع المدرسي بداخلها من محافظين و منفتحين و سلفيين ،
كذلك لم تنجر إلى ما انجر إليه غيرها باقي الفصائل الفلسطينية من صراعات و
اغتيالات داخل الدول العربية فى الأردن ولبنان بل وفى مصر التى قضى وزير ثقافتها
الأسبق يوسف السباعي على يد منشقين فتحاويين ، بل لقد تمتع قادتها على مدى الـ 30
عام بقراءة متأنية و ردود أفعال متزنة و
غير انفعالية ، و لم تصدر منها أى حماقة تجاه دول الجوار برغم اشتراك بعضها فى
مؤامرة الحصار .
بالنسبة
للمؤسسة العسكرية فقد محورت قيادتها الجديدة نشاط المؤسسة منذ جاءت حول الارتفاع
بمستوى التدريب و التسليح ، و قد خيبت ردود أفعالها أخيراً آمال المراهنين عليها
فى إحداث اضطرابات و انقلابات على الشرعية ، هذا فضلاً عن أن تجربتها مع النخبة
خلال الفترة الانتقالية فضحت أساليب هذه النخبة التى تستخدم آلتها الإعلامية فى
استفزاز مؤسسات الدولة لخوض معاركها هى ، و عليه فيمكن القول بأن استفزازات
الإعلام العلمانوفلولى لن تفلح فى خلق ثارات مفتعلة بين الجيش كمؤسسة و بين حماس كقوة إسلامية معول عليها فى إرهاب
الكيان الصهيوني . و على من يصر على تشغيل تلك الاسطوانة المشروخة حول الخطر
الحمساوى أن يتذكر ذلك المثل الأمريكى القائل : " تستطيع أن تخدع كل الناس
بعض الوقت ، أو بعض الناس كل الوقت ، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت
" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق