لا شك أن زيارات البابا لمنطقة " الشرق الأوسط " تحظى باهتمام إعلامى واسع نظرا لما لها من ارتباطات بما يحيط بها من تداعيات و أحداث ، و يجمع الكثيرون على أن هذه الزيارات بكل ما تشمله من صلوات و تصريحات و قداسات لا تخلو من مدلولات سياسية و تاريخية غالبا ما تثير جدلا كثيرا على أكثر من صعيد ، فى هذا السياق تأتى مسألة اعتذار بابا الكاثوليك لليهود فى زيارته الأخيرة للمنطقة عما يشاع بأنه مورس ضدهم أثناء الحقبة النازية فى ألمانيا كأحد المفارقات الجديرة بالتوقف عندها ، ذلك أن الكنيسة منذ بدأت سلسلة اعتذاراتها فى منتصف القرن الماضى و هى تستميت فى استرضاء اليهود لما تراه ارتكب فى حقهم من ممارسات ، و المدهش أن البابا الذى ما جاء للمنطقة زائرا إلا من أجل استرضاء مشاعر المسلمين صلى من أجل الـ " 6 ملايين " يهودى الذين أحرقوا فى حادثة مشكوك فى أمرها و حجمها بينما نسى أن موعد زيارته يواكب الذكرى الأربعمائة لأولى حروب الإبادة التى مورست عبر التاريخ الإنسانى .
و الذى يجعل المفارقة أكثر غرابة اعتذارالبابا عن جريمة لم ترتكبها الكنيسة بشكل مباشر أوحتى غير مباشر فيما تسكت عن أخرى كانت هى المسئول الرئيسى عنها ، والذى زاد الطين بلة عندما حاول أن يكون متوازنا فى تصريحاته فأعلن أنه يشعر بآلام الشعب الفلسطينى هو الآخر ثم خصهم بنصيحه عدم الانسياق وراء دعوات التطرف فى وقت يكتسح فيه اليمين و اليمين المتطرف الانتخابات الإسرائيلية منذ 2002 !! ، صحيح أن الاعتذار عمل معنوى لن يعيد للضحايا حياتهم و حقوقهم التى انتزعت منهم بوحشية و تعصب ، لكنه يظل مهما لما له من اعتبارات معنوية تعيد للشعوب حقوقها الدينية و التاريخية ، و خاصة عندما نرى بعد الأصوات الإعلامية قد أغرتها هذه الحالة من الاستهتار و تجاهل الجرم فزادت من الإساءة كالواشنطن بوسط التى التى ادعت أن البابا أحسن حينما لم يقدم اعتذارا للمسلمين لأن الإسلام انتشر بحد السيف !!
و بغض النظر عن هذا الإجحاف النابع من حالة الإسلاموفوبيا التى تسيطر على رءوس كثير من إعلامييى الغرب ، و بغض النظر عن أن المسلمين ليسوا فى حاجة لاعتذار البابا عن محاكم التفتيش لأن هناك جرائم تاريخية أخرى ارتكبتها الكنيسة لم تقل شراسة عنها ، و بغض النظر عن أن الكنيسة هى الأخرى ليست فى حاجة لأن تعتذر عن تلك الجرائم نظرا لعدم وجود فزاعة إسلامية كتلك الفزاعة الإعلامية اليهودية التى تبتزها ليل نهار ، أقول بغض النظر عن كل ذلك فإن دور الإعلام العربى و الإسلامى بدى خافتا و باهتا ــ باستثناء الجزيرة ــ فى تغطية هذه الذكرى فى تاريخ المسلمين و العرب ، و التى شاء القدر أن تحمل بعدا إعلاميا خاصا لمواكبتها ذكرى النكبة الفلسطينية لتصبح هناك إسقاطة تاريخية بين التغريبة الفلسطينية و تغريبة الأندلسيين ، و إذا علمنا أن فرنسا سنت قانونا يقر ارتكاب تركيا حرب إبادة ضد الأرمن فى واقعة لا تقل جدلا و لغطا عن " الهولوكوست " المزعوم ، فإن الأمر يبدو غريبا و مخزيا بالنسبة للإعلاميين و المثقفين العرب و المسلمين الذين لم يقيموا و لو مجرد احتفالية تذكر بهذا الجرح الذى لم يندمل على الأقل فى جسد التاريخ الإسلامى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق