بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية فإن آداءها لا يتميز عن آداء أى من منظمة دولية أخرى من حيث كونه خاضعا لاعتبارات و ضغوطات القوى و التحالفات و اللوبيات فى الدول الغربية ، و فيما يتعلق بدار فور و من قبلها الجنوب السودانى فقد لعبت تلك اللوبيات و على رأسها " اللوبى الزنجى " و " لوبى اليمين المسيحى " و " لوبى مكافحة العبودية " دورا مهما فى دفع توجه الرأى العام الدولى نحو التدخل الدولى و الغربى فى الشأن السودانى بما يخدم مصالح القوى الانفصالية ، و بالمناسبة فإن هذه الرؤية ليست لصاحب السطور فحسب و إنما يؤكد ذلك خط سير تعامل الهيئات و المنظمات الدولية مع مسألة دارفور بالاخص ، ففى سبتمبر 2004 زار دار فور كولن باول وزير الخارجية الامريكى حين ذاك و صرح من هناك أن لا وجود للإبادة الجماعية ، لكنه ما لبث أن تراجع بعد عودته تحت ضغوط اللوبيات سالفة الذكر و قام على إثر ثورتها بإرسال وفد جديد من محامين و و حقوقيين أكدوا بعد زيارتهم وجود إبادة جماعية مما يعنى ضرورة التدخل ، كذلك فإن مجلس الأمن قرر بدوره إرسال القاضى الايطالى أنتونيونا سياسى الذى كتب تقريرا لم يؤيد فيه الإبادة الجماعية مما أثار عليه نفس ردة الفعل السابقة .
و هكذا فإن إثارة القضية بهذا الشكل تأتى فى الأساس لخدمة جهات خارجية و ليست من اجل سلامة السودانيين ، و إلا فالعالم ملىء بالأقليات بل و الأكثريات التى تتعرض للقمع على يد حكامها و على يد قوى خارجية و لا تحرك تلك المنظمات ساكنا ، فإذا ما تحركت و قبضت على الجناة فإن عقابها لا يعدو السجن الذى يكون أقرب للقصور منه إلى السجن و سلوبودان ميلوسوفيتش أكبر دليل على ذلك .
أكرر إن إثارة قضية دار فور فى هذا التوقيت و ما يترتب عليها هى كلمة حق يراد بها باطل ، أقول ذلك ليس دفاعا عن البشير و نظامه و إنما دفاعا عن السودان الذى يراد استباحته عبر إشاعة الفوضى فيه ، صحيح ان الرجل لم يعاقب المتورطين فى الانتهاكات بل و رقى بعضهم و منهم أحمد هارون الذى رقى إلى وزير و على هوشير و لكن الواقع يؤكد أيضا أن سيناريو الاصابع الخارجية التى لعبت دروها لإيقاظ الفتنة و اثارة النار لم يكن بعيدا عن الأزمة منذ كانت فى مهدها ، فالمسألة إذن أكبر من شخص البشير و لو كان للعرب و المسلمين منظمة قادرة على الفصل فى مثل هذه الخصومات و فرض الحلول بمعاقبة المنتهكين و الانفصاليين على حد سواء لما تعرضت لمثل هذه الأزمة التى من الواضح أنها لن تكون الأخيرة بحي سيتبعها أزمات أخرى مشابهة .