الثلاثاء، 28 أبريل 2009

دلالات توقيف البشير

لست بمعرض الدفاع عن الرئيس السودانى عمر البشير و نظامه فلست من المعنيين بالدفاع عن أى نظام عربى هنا أو هناك ، لكننى أرى أن محاولة استيقاف الرجل فى هذا التوقيت الذى يشهد وقوف السودان على أعتاب انتعاشة نفطية فضلا عن تخلصه نوعا ما من معضلة الجنوب ثم دخوله طرفا إيجابيا فى لعبة الصراع مع اسرائيل عبر توصيله السلاح لغزة يجعل للحدث دلالات و أبعاد أكبر من مجرد محاولة منظمة حقوقية توقيف ومعاقبة أحد المتهمين ، ذلك أن العالم الآن ملىء بالصراعات الدامية و الحروب الاهلية التى تخرج أكبر مجرمى الحرب و مع ذلك فإن شهية المنظمات الدولية لا تنفتح للاستيقاف و المحاكامة و ربما الإعدام ــ كما حد مع صدام مثلا ــ إلا عندما يكون المتورط فى هذه الإنتهاكات ينتمى للعالم العربى و الإسلامى و إلا عندما يكون التدخل سيستفيد منه جهات أخرى غير البلد المراد إنقاذه .

بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية فإن آداءها لا يتميز عن آداء أى من منظمة دولية أخرى من حيث كونه خاضعا لاعتبارات و ضغوطات القوى و التحالفات و اللوبيات فى الدول الغربية ، و فيما يتعلق بدار فور و من قبلها الجنوب السودانى فقد لعبت تلك اللوبيات و على رأسها " اللوبى الزنجى " و " لوبى اليمين المسيحى " و " لوبى مكافحة العبودية " دورا مهما فى دفع توجه الرأى العام الدولى نحو التدخل الدولى و الغربى فى الشأن السودانى بما يخدم مصالح القوى الانفصالية ، و بالمناسبة فإن هذه الرؤية ليست لصاحب السطور فحسب و إنما يؤكد ذلك خط سير تعامل الهيئات و المنظمات الدولية مع مسألة دارفور بالاخص ، ففى سبتمبر 2004 زار دار فور كولن باول وزير الخارجية الامريكى حين ذاك و صرح من هناك أن لا وجود للإبادة الجماعية ، لكنه ما لبث أن تراجع بعد عودته تحت ضغوط اللوبيات سالفة الذكر و قام على إثر ثورتها بإرسال وفد جديد من محامين و و حقوقيين أكدوا بعد زيارتهم وجود إبادة جماعية مما يعنى ضرورة التدخل ، كذلك فإن مجلس الأمن قرر بدوره إرسال القاضى الايطالى أنتونيونا سياسى الذى كتب تقريرا لم يؤيد فيه الإبادة الجماعية مما أثار عليه نفس ردة الفعل السابقة .

و هكذا فإن إثارة القضية بهذا الشكل تأتى فى الأساس لخدمة جهات خارجية و ليست من اجل سلامة السودانيين ، و إلا فالعالم ملىء بالأقليات بل و الأكثريات التى تتعرض للقمع على يد حكامها و على يد قوى خارجية و لا تحرك تلك المنظمات ساكنا ، فإذا ما تحركت و قبضت على الجناة فإن عقابها لا يعدو السجن الذى يكون أقرب للقصور منه إلى السجن و سلوبودان ميلوسوفيتش أكبر دليل على ذلك .

أكرر إن إثارة قضية دار فور فى هذا التوقيت و ما يترتب عليها هى كلمة حق يراد بها باطل ، أقول ذلك ليس دفاعا عن البشير و نظامه و إنما دفاعا عن السودان الذى يراد استباحته عبر إشاعة الفوضى فيه ، صحيح ان الرجل لم يعاقب المتورطين فى الانتهاكات بل و رقى بعضهم و منهم أحمد هارون الذى رقى إلى وزير و على هوشير و لكن الواقع يؤكد أيضا أن سيناريو الاصابع الخارجية التى لعبت دروها لإيقاظ الفتنة و اثارة النار لم يكن بعيدا عن الأزمة منذ كانت فى مهدها ، فالمسألة إذن أكبر من شخص البشير و لو كان للعرب و المسلمين منظمة قادرة على الفصل فى مثل هذه الخصومات و فرض الحلول بمعاقبة المنتهكين و الانفصاليين على حد سواء لما تعرضت لمثل هذه الأزمة التى من الواضح أنها لن تكون الأخيرة بحي سيتبعها أزمات أخرى مشابهة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق