للشيخ محمد حسين يعقوب أن يتكلم فى الرقائق و له أن يخاطب العواطف الإيمانية بكل كيانه ، فهو بالفعل طبيب القلوب و أمهر من يغوص فى أعماق النفس البشرية ، و هو أيضا أفضل من يبحث فى كتب القدماء و المحدثين حتى من غير السلفيين مبحرا فيها باذلا كل ما فى طاقته الدعوية لتزكية النفوس و تهذيبها .لكن الشيخ يعقوب الذى يحمل فقها و سمتا سلفيين وأسلوبا مؤثرا فى كثير من الشباب حمل فى محاضرة له بعنوان ( مأساة غزة) على حركة حماس محملا اياها المسئولية في المجازر القائمة و ملقيا اللوم عليها بما آلت إليه الأوضاع ، و استهل الشيخ المحاضرة بالقول أن ما يجري في غزة من مذابح صهيونية هو بما كسبت أيدي المسلمين جميعا وخصوصا حركة حماس وحركة فتح بالخلاف الناشب بينهما ، و الواقع أن الشيخ يعقوب على علو قدره و وفير بذله فى اثراء الصحوة ما كان له أن يتصدر لهذا الأمر الذى يرقى إلى درجة الفتوى ، فهو من ناحية ليس فلسطينيا أى أنه ليس على نفس الدرجة من الدراية بالواقع الفلسطينى كحماس أو غيرها ممن يلمون بالواقع الفلسطينى إلمام المعايشة ، كما و أنه معروف عنه عزوفه عن الخوض فى الأمور السياسية طرحا و تعليقا ، و لعل بساطته تلك و تواضعه ذاك هو ما جنبه خصومات كثيرة و جذب إليه الكثيرين من شباب المتدينين .
لقد رأى الكثيرون أن الشيخ لم يكن مصيبا فى قوله ( لا أريد إلقاء التبعة على اليهود وحدهم..) ، كما أن تصريحاته التى ساوى فيها بين حماس و فتح تبدو غريبة لأمرين : الأول : أنها تأتى فى الوقت الذى تعلو فيه أصوات داخل فتح تؤيد حماس فى حربها و تؤكد انحراف أبى مازن و انجرافه فى تيار العمالة بل و تؤيدها فى كسرها للهدنة ، و الثانى أن مساواته تلك لا تعبر عن عقيدة الولاء و البراء التى يتميز بها الشيخ حيث لم ينظر إلى فتح من منطلق أنها علمانية و لا يحمل مشروعها أى مضامين اسلامية سلفية أو حتى بدعية .إذا حاولنا تأصيل الموقف بعيدا عن أى عواطف ، فإن هذه التصريحات أساسها الرؤية القديمة التى كانت لدى الشيخ الألبانى حول الحركات المسلحة فى فلسطين ، و التى عبر عنها فى فتواه التى جاء فيها ” الله يهدينا وإيّاكم، الحركة القائمة اليوم في الضفة هذه حركة ليست إسلامية شئتم أو أبيتم، لأنَّهم لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدّته ، أين العدّة؟؟؟ العالم الإسلامي كله يتفرج وهؤلاء بيتقتلوا ويتذبحوا ذبح النعاج والأغنام، ثمَّ نريد أن نبني أحكام كأنَّها صادرة من خليفة المسلمين ، ومن قائد الجيش الذي أمَّره هذا الخليفة، ونيجي بأى لجماعة مثل جماعة حماس هذه، نعطيهم الأحكام الإسلامية، ما ينبغي هذا بارك الله فيكم، نحن نرى أنَّ هؤلاء الشباب يجب أنْ يحتفظوا بدمائهم ليوم الساعة، مش الآن“انتهى بالطبع فإن حجج الشيخين لها وجاهتها و يشكرا على حرصهما على دماء المسلمين بغض النظر عن الموقف من التصريحات ، لكن واقع الكثير من رموز السلفية فى العالم الإسلامى اليوم يشير إلى أنهم تجاوزا هذه القناعة التى يثبت التاريخ و ليس الشرع وحده أنها لم تكن صحيحة ، فالجزائر مثلا تحررت بعد ان كان معدل قتلاها يقدر بثمانى أمثال معدل قتلى الفرنسيين و كذا فيتنام كانت النسبة 12 : 1 مع الأمريكان ، كما و أن ابتقاء حماس للهدنة لا يعنى أنها حقنت دماء الغزاويين فالحصار فى حالة استمراره كان كفيلا بالقضاء على أكثر من هذا العدد ، و لهذا فقد وقفت مع حماس أغلب التيارات السلفية ، و لعل أكثر ما لفت النظر فى هذا الصدد موقف الدكتور وليد الطبطبائى زعيم البرلمانيين السلفيين فى الكويت الذى رفع عقاله محييا هنية و حذاءه لأبى مازن ، كما كانت فتوى الشيخ عوض القرنى و دعاوى محمد حسان لفتح معسكرات الجهاد و تصريحات سلمان العودة و محمد العريفى و محاضرات حازم شومان مثار تقدير الكثيرين .
ما يمكن استفادته من هذه الواقعة بالنسبة للمعنيين بها ، هو أنه لا يجوز بأى حال من الأحوال النيل من رموز الدعوة بهذا الشكل لمجرد الخلاف فى الرأى ، و ليس ذلك لوازع شرعى فقط و إنما لاننا نعلم أن هناك آراء داخل حماس على قلتها و خفوتها كانت تتمنى ألا يندلع القتال و تتطلع لحلول أخرى و بالتالى فلا مجال هنا لصبغ الخلف بالصبغة الجماعاتية لاسيما وأن هناك آخرون ممن يمثلون الخلفية نفسها للشيخ الفاضل ممن وقفوا موقفا مخالفا ، أيضا مما يمكن الخروج به من هذه الإشكالية هو أن ادب الاختلاف لا يعنى على الإطلاق ترك واجب النصح ، و إلا فما هو تفسير كون هذه التصريحات قدمت على قناة الرحمة المملوكة للشيخ محمد حسان ذى الموقف المخالف لها ، و مع ذلك فإنها لم تكن من وجهة نظره سببا لإقصاء الشيخ يعقوب أو الغض منه ؟؟ أعتقد أن هكذا خلق جدير بأن يتحلى به الكير من الملتزمين بالمنهج الإسلامى ، كما أرى آخيرا أن النصيحة المثلى فى مثل هذه المواقف و الاكثر فائدة بحيث تحول دون تكرارها هى أن الانشغال بأقل القليل من السياسة قد يوقع فى الفتنة من لم يحتط لها بالدراسة و الإلمام و لو كان بصدد التعليق على حدث عارض كبير أو حفير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق